فصل: سبب النزول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفيروزابادي:

بصيرة في البعل:
وهو الزَّوج. والجمع بِعَال، وبُعُول. والمرأَة بَعْل، وبَعْلة. وبَعَل يَبْعَل بُعُولة: صار بعلًا. وكذا اسْتَبْعَل. والبِعال. والتباعُل. والمباعلة: الجماع، وملاعبة الرّجل المرأَة. وباعلت: اتخذتْ بعلًا، وتبعَّلتْ: أَطاعت بعلها، أَو تزيَّنَتْ له.
وذكر في القرآن البَعْل على وجهين:
الأَوّل: اسم صنم لقول إِلياس عليه السّلام: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا}.
الثانى: بمعنى الأَزواج: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} {وَهذا بَعْلِي شَيْخًا} وله نظائر.
ولمَّا تُصوّر من الرّجل استعلاء على المرأَة، وأَن بسببه صار سائسَها، والقائم عليها، شُبّه كلّ مستعل على غيره به، فسمّى به. فسمَّى قوم معبودهم الذي يتقَرَّبُون به إِلى الله تعالى بعلا لاعتقادهم ذلك فيه. وقيل للأَرضِ المستعلية على غيرها: بَعْل، ولفَحْل النخل: بعل. تشبيها بالبعل من الرّجال، وكذا سمّوا ما عَظُم من النخل حتى شرب بعروقه بعلًا، لاستعلائه واسغنائه عن السّاقى، ولمّا كانت وَطْأَة العالى على المستولَى عليه مستثقلة في النَّفس قيل: أَصبح فلان بَعْلًا على أَهله أَى ثقيلًا، لعلوّه عليهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {وبعولتهنَّ}.
البعولة جمع بعل، والبعل اسم زوج المرأة. وأصل البعل في كلامهم، السيد.
وهو كلمة ساميَّة قديمة، فقد سمَّى الكنعانيون الفينقيون معبودهم بَعْلًا قال تعالى: {أتدعون بعلًا وتذرون أحسن الخالقين} [الصافات: 125] وسمي به الزوج لأنه ملك أمر عصمة زوجه، ولأن الزوج كان يعتبر مالكًا للمرأة وسيدًا لها، فكان حقيقًا بهذا الاسم، ثم لما ارتقى نظام العائلة من عهد إبراهيم عليه السلام فما بعده من الشرائع، أخذ معنى الملك في الزوجية يضعف، فأطلق العرب لفظ الزوج على كلَ من الرجل والمرأة، اللذين بينهما عصمة نكاح، وهو إطلاق عادل؛ لأن الزوج هو الذي يثنى الفرد، فصارا سواء في الاسم، وقد عبر القرآن بهذا الاسم في أغلب المواضع، غير التي حكى فيها أحوال الأمم الماضية كقوله: {وهذا بعلي شيخا} [هود: 72]، وغير المواضع التي أشار فيها إلى التذكير بما للزوج من سيادة، نحو قوله تعالى: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا} [النساء: 128] وهاته الآية كذلك، لأنه لما جعل حق الرجعة للرَّجل جبرًا على المرأة، ذكَّر المرأة بأنه بعلُها قديمًا.
وقيل: البعل: الذكر، وتسمية المعبود بَعْلًا لأنه رمز إلى قوة الذكورة، ولذلك سمي الشجر الذي لا يسقى بَعْلًا، وجاء جمعه على وزن فعولة، وأصله فُعول المطردُ في جمع فَعْل، لكنه زيدت فيه الهاء لتوهم معنى الجماعة فيه، ونظيره قولهم: فُحُولة وذُكُورة وكُعُوبة وسُهُولة، جمع السَّهل ضد الجبل، وزيادة الهاء على مثله سماعي؛ لأنها لا تؤذن بمعنى، غير تأكيد معنى الجمعية بالدلالة على الجماعة.
وضمير {بعولتهن}، عائد إلى {المطلقات} قبله، وهن المطلقات الرجعيات كما تقدم، فقد سماهن الله تعالى مطلقات لأن أزواجهن أنشأُوا طلاقهن، وأَطلق اسم البعولة على المطلقين، فاقتضى ظاهره أنهم أزواج للمطلقات، إلاّ أن صدور الطلاق منهم إنشاء لفك العصمة التي كانت بينهم، وإنما جعل الله مدة العدة توسعة على المطلقين، عسى أن تحدث لهم ندامة ورغبة في مراجعة أزواجهم؛ لقوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا} [الطلاق: 1]، أي أمر المراجعة، وذلك شبيه بما أجرته الشريعة في الإيلاء، فللمطلقين بحسب هذه الحالة حالة وسَطٌ بين حالة الأزواج وحالة الأجانب، وعلى اعتبار هذه الحالة الوسط أُوقع عليهم اسم البعولة هنا، وهو مجاز قرينته واضحة، وعلاقته اعتبار ما كان، مثل إطلاق اليتامى في قوله تعالى: {وأتوا اليتامى أموالهم} [النساء: 2].
وقد حمله الجمهور على المجاز؛ فإنهم اعتبروا المطلقة طلاقًا رجعيًا امرأة أجنبية عن المطلق بحسب الطلاق، ولكن لما كان للمطلق حق المراجعة، ما دامت المرأة في العدة، ولو بدون رضاها، وجب إعمال مقتضى الحالتين، وهذا قول مالك والشافعي.
قال مالك: لا يجوز للمطلق أن يستمتع بمطلقته الرجعية، ولا أن يدخل عليها بدون إذن، ولو وطئها بدون قصدِ مراجعةٍ أَثم، ولكن لا حد عليه للشبهة، ووجب استبراؤها من الماء الفاسد، ولو كانت رابعة لم يكن له تزوج امرأة أخرى، ما دامت تلك في العدة.
وإنما وجبت لها النفقة لأنها محبوسة لانتظار مراجعته، ويشكل على قولهم إن عثمان قضى لها بالميراث إذا مات مطلِّقها وهي في العدة؛ قضى بذلك في امرأة عبد الرحمن بن عوف، بموافقة عليَ، رواه في الموطأ، فيُدفع الإشكال بأن انقضاء العدة شرط في إنفاذ الطلاق، وإنفاذ الطلاق مانع من الميراث، فما لم تنقض العدة فالطلاق متردد بين الإعمال والإلغاء، فصار ذلك شكًا في مانع الإرث، والشك في المانع يبطل إعماله.
وحمل أبو حنيفة والليث بن سعد البعولة على الحقيقة، فقالا الزوجية مستمرة بين المطلق الرجعي ومطلَّقته؛ لأن الله سماهم بعُولة وسوغا دخول الطلاق عليها، ولو وطئها فذلك ارتجاع عند أبي حنيفة.
وقال به الأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى، ونسب إلى سعيد بن المسيب والحسن والزهري وابن سيرين وعطاء وبعض أصحاب مالك.
وأحسب أن هؤلاء قائلون ببقاء الزوجية بين المطلق ومطلقته الرجعية.
و{أحق} قيل: هو بمعنى اسم الفاعل مسلوب المفاضلة، أتى به لإفادة قوة حقهم، وذلك مما يستعمل فيه صيغة أفعل، كقوله تعالى: {ولذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45] لاسيما إن لم يذكر بعدها مفضل عليه بحرف من، وقيل: هو تفضيل على بابه، والمفضل عليه محذوف، أشار إليه في الكشاف، وقرره التفتازاني بما تحصيله وتبيينه: أن التفضيل بين صنفي حق مختلفين باختلاف المتعلق: هما حق الزوج في الرجعة إن رغب فيها، وحق المرأة في الامتناع من المراجعة إن أبتها، فصار المعنى: وبعولتهن أحق برد المطلقات، من حق المطلقات بالامتناع وقد نسج التركيب على طريقة الإيجاز.
وقوله: {في ذلك} الإشارة بقوله: {ذلك} إلى التربص بمعنى مدته، أي للبعولة حق الإرجاع في مدة القروء الثلاثة، أي لا بعد ذلك كما هو مفهوم القيد.
هذا تقرير معنى الآية، على أنها جاءت لتشريع حكم المراجعة في الطلاق ما دامت العدة، وعندي أن هذا ليس مجرد تشريع للمراجعة بل الآية جامعة لأمرين: حكم المراجعة، وتحضيض المطلقين على مراجعة المطلقات، وذلك أن المتفارقين لابد أن يكون لأحدهما أو لكليهما، رغبة في الرجوع، فالله يعلم الرجال بأنهم أولى بأن يرغبوا في مراجعة النساء، وأن يصفحوا عن الأسباب التي أوجبت الطلاق لأن الرجل هو مظنة البصيرة والاحتمال، والمرأة أهل الغضب والإباء.
والرد تقدم الكلام عليه عند قوله تعالى: {حتى يرددكم عن دينكم} [البقرة: 217] والمراد به هنا الرجوع إلى المعاشرة وهو المراجعة، وتسمية المراجعة ردًا يرجح أن الطلاق قد اعتبر في الشرع قطعًا لعصمة النكاح، فهو إطلاق حقيقي على قول مالك، وأما أبو حنيفة ومن وافقوه فتأوَّلوا التعبير بالرد بأن العصمة في مدة العدة سائرة في سبيل الزوال عند انقضاء العدة، فسميت المراجعة ردًا عن هذا السبيل الذي أخذت في سلوكه وهو رد مجازي. اهـ.

.تفسير الآية رقم (229):

قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر الرجعة ولم يبين لها غاية تنتهي بها فكانت الآية كالمجمل عرض سؤال: هل هي ممتدة كما كانوا يفعلون في الجاهلية متى راجعها في العدة له أن يطلقها ما دام يفعل ذلك ولو ألف مرة أو منقطعة؟ فقال: {الطلاق} أي المحدث عنه وهو الذي تملك فيه الرجعة.
قال الحرالي: لما كان الطلاق لما يتهيأ رده قصره الحق تعالى على المرتين اللتين يمكن فيهما تلافي النكاح بالرجعة- انتهى. وقال تعالى: {مرتان} دون طلقتان تنبيهًا- على أنه ينبغي أن تكون مرة بعد مرة كل طلقة في مرة لا أن يجمعهما في مرة.
ولما كان له بعد الثانية في العدة حالان إعمال وإهمال وكان الإعمال إما بالرجعة وإما بالطلاق بدأ بالإعمال لأنه الأولى بالبيان لأنه أقرب إلى أن يؤذي به وأخر الإهمال إلى أن تنقضي العدة لأنه مع فهمه من آية الأقراء سيصرح به في قوله في الآية الآتية {أو سرحوهن بمعروف} [البقرة: 231] فقال معقبًا بالفاء {فإمساك} أي إن راجعها في عدة الثانية. قال الحرالي: هو من المسك وهو إحاطة تحبس الشيء، ومنه المسك- بالفتح- للجلد {بمعروف} قال الحرالي فصرفهم بذلك عن ضرار الجاهلية الذي كانوا عليه بتكرير الطلاق إلى غير حد فجعل له حدًا يقطع قصد الضرار- انتهى {أو تسريح} أي إن طلقها الثالثة، ولا يملك بعد هذا التسريح عليها الرجعة لما كان عليه حال أهل الجاهلية. قال الحرالي: سمى الثالثة تسريحًا لأنه إرسال لغير معنى الأخذ كتسريح الشيء الذي لا يراد إرجاعه. وقال أيضًا: هو إطلاق الشيء على وجه لا يتهيأ للعود، فمن أرسل البازي مثلًا ليسترده فهو مطلق، ومن أرسله لا ليسترجعه فهو مسرح انتهى. ويجوز أن يراد بالتسريح عدم المراجعة من الثانية لا أنه طلقة ثالثة. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{أن يخافا} بضم الياء: يزيد وحمزة ويعقوب الباقون بفتح الياء {نبينها} بالنون المفضل. الباقون بياء الغيبة {يفعل ذلك} مدغمًا حيث كان: أبو الحرث عن علي {فقد ظلم} مظهرًا: ابن كثير وأبو جعفر ونافع غير ورش وعاصم غير الأعشى.

.الوقوف:

{قروء} ط {الآخر} ط {إصلاحًا} ط {بالمعروف} ص لعطف المتفقتين ولا تمام المقصود في تفضيل الرجال {درجة} ط {حكيم} O {مرتان} ص لعطف المتفقتين {بإحسان} ط {حدود الله} الأول ط {افتدت به} ط {تعتدوها} ج {الظالمون} O {غيره} ص لأن الطلاق للزوج الثاني على خطر الوجود لا منتظر معهود فكان خارجًا من مقتضى الجملة الأولى {أن يقيما حدود الله} ط {يعلمون} O {أو سرحوهن بمعروف} ص لطول الكلام {لتعتدوا} ج {نفسه} ط {هزوا} ص لطول ما بعده {يعظكم به} ط {بالمعروف} ط {الآخر} ط {وأطهر} ط {لا تعلمون} O. اهـ.

.سبب النزول:

روى مالك في جامع الطلاق من الموطأ: «عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان له ذلك وإن طلقها ألفَ مرة فعمَد رجلٌ إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها ثم قال والله لا آويك ولا تحلين أبدًا فأنزل الله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فاستقبل الناس الطلاق جديدًا من يومئذٍ من كان طلق منهم أو لم يطلق».
وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس قريبًا منه.
ورواه الحاكم في مستدركه إلى عروة بن الزبير عن عائشة قالت: لم يكن للطلاق وقت يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدة وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس فقال: والله لا تركتك لا أَيمًا ولا ذات زوج فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها ففعل ذلك مرارًا فأنزل الله تعالى: {الطلاق مرتان}، وفي ذلك روايات كثيرة تقارب هذه، وفي سنن أبي داود: باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث وأخرج حديث ابن عباس أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثًا فنسخ ذلك ونزل: {الطلاق مرتان}، فالآية على هذا إبطال لما كان عليه أهل الجاهلية، وتحديد لحقوق البعولة في المراجعة. اهـ.